الاعتزال القسري!!

يقيناً نعلم أن كرة القدم علم مثله مثل بقية العلوم يخضع لجملة من المعطيات والأساسيات، التي تعرف بالبديهيات عند جهابذة الكرويين والرياضيين عموماً، ويتكئ هذا العلم على دراسات أسست على نمط علمي مبني على تجارب سابقة جمعت منها العبر؛ لتكون منهاجاً قويماً يهتدي إليه الرياضيون.
ومثلما نوقن أنها علم ذو نحو خاص قد يخالف المعطيات، ويدخل ضمن ما يعرف بالمفاجآت التي تكون وليدة لفترة تنزوي فيما بعد، نؤمن أنها ثقافة خاصة تندرج تحتها جملة من المعطيات والخاصيات، وبما أنها علم وثقافة، فلا بد لكل من يمارسها أن يبحر في شيء قليل من أبجدياتهما وخصائصهما.
الاعتزال أو التنحي، وترك كرة القدم احدى الخصائص التي يجب أن يعرفها لاعب الكرة، ويجب أن يحدد انتهاء مسيرته في الوقت الذي يجد نفسه خارج نطاق الخدمة أو يكاد أن يكون كذلك، أو يأخذ لنفسه منحًى بطولياً، ويعتزل في أوج عطائه حفاظا على اسمه، والأخير أمثلته كثيرة، والأبرز ظاهرة كرة القدم العالمية الفرنسي زيدان، وسكولز، وفيلب لام الألماني الذي آثر أن يترك منتخبه رغم أنه ما زال الى الآن من أفضل اللاعبين في العالم في مركزه، والأمثلة تطول.
ثقافتنا الشرقية تنبذ مطلقا، أو شبه الإطلاق التفكير الأخير، وتلجأ الى جانب تشبثي التصاقي يعمد إليه خاصة لاعبو غرب القارة الآسيوية، وكتخصيص دقيق اللاعبون العرب منهم، وبدقة متناهية جدا اللاعبون العراقيون، فتجدهم حريصين على البقاء لفترات طويلة فاقدين بريقهم، وسائرين مشياً تكاد تشاهدهم وتعتقد أنهم يجرون بالتصوير بالإعادة! حتى أن البعض منهم يتراءى لك بمشهد يحتاج الى عكاز أو مسند نظرا لتقدمه بالسن، مترنماً بإنجازات قديمة مرّ عليها قرابة عقد، وكأنني ببعضهم ممن يحقق إنجازا يخرج مطالبا بأنه صاحب الإنجاز الفلاني، معتقدا أنه استثناء، ويجب أن يستمر مع المنتخب مهما تناقص عطاؤه، وقلت حيلته، مسخراً جيشاً من أشباه الإعلاميين بخدمته، ممن ارتضوا لنفسهم ثقافة خاصة لا تليق بالواقع الإعلامي، ولا تمت إليه بأية صلة، معشعشين ليلا ونهارا في مواقع التواصل الاجتماعي، مطبلين ومتغنين بإنجازات هذا اللاعب أو ذاك، مستجدين بعض العطاءات البخسة كأجور لجهودهم ذات الطبيعة الارتشائية! في مشهد فوضوي عشائري لا يستند الى أي من مفاهيم الساحرة المستديرة، حتى وصل الأمر ببعض اللاعبين ان يستبعد علناً لأكثر من مرة، ويعود بشتى الطرق، أو ينتظر استبدال المدرب الذي قام بعملية التنقية والاستبعاد، وثمة لاعبون آخرون تجدهم يعلنون اعتزالهم تحت ثقافة أخرى استبعادية، اصطلحت عليه "الاعتزال القسري" مضحين بتاريخهم ومحرفين أسماءهم التي لطالما كانت ترنيمة تترنم بها جماهيرهم.
لا نحبذ إطلاقا أن تعمم ثقافة "الاعتزال القسري" وتصبح ثقافة كروية سائدة انطلاقا من مبدأ دكتاتوري كروي خاص، وما نريده هو أن يختار لاعبونا توقيتات مناسبة لمواعيد اعتزالهم تتناسب مع عطائهم وتاريخهم، ولنا في الأسطورة العراقية نشأت أكرم أسوة حسنة؛ لذا اقتضى التنويه.
Hits: 3