ثقافة

يوحنا الأرمني وأيقوناته القبطية

NBS نيوز/ متابعة

"يوحنا الأرمني".. فنان عاش في مصر في القرن الثامن عشر (توفي 27 يوليو/تموز 1786)، ينتمي إلى جالية أرمنية استقرت في القاهرة منذ زمن بعيد (القرن العاشر)، وساهمت في نواح متعددة من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا، وتفاعلت واندمجت مع المجتمع المصري (وبخاصة مع القبط)، إلى درجة أن يتبوأ أحد أعضائها المكانة والأولى بين رسامي الأيقونات القبطية.

في بداية هذا الكتاب "يوحنا الأرمني وأيقوناته القبطية"، يذكر المؤلف مجدي جرجس: ارتبط ازدهار رسم الأيقونات وزيادة الطلب عليها بحركة تعمير وترميم – أحيانا إنشاء بالكامل – كنائس وأديرة القطر المصري. تعمير وترميم الكنائس من الأمور الحساسة الشديدة في التراث المصري، وطالما كانت هذه النقطة مدخلا لإثارة القلاقل والفتن، خاصة أن موضوع الكنائس متعلق بتقنيات شرعية كثيرة لم يبت – مع الناحية الجدلية – حتى الآن.

ويضيف: تشير بعض الوثائق بوضوح إلى تزيين الكنائس والأديرة بالأيقونات قبل يوحنا الأرمني، مثال على ذلك كنيسة العذراء العدوية (بالمعادي)، فتشير إحدى الوثائق إلى قيام المعلم منقريوس بن إبراهيم (بديك الأبيض) ببناء الكنيسة وتزيينها بالتعاليق قبل وفاته في حدود عام 1737.

من ناحية أخرى، لدينا إشارات واضحة إلى فنانين تخصصوا في رسم الأيقونات، أشهرهم سوريال بن القس أبو المنا (مصور الأيقونات المصري) هكذا يلقب نفسه، له أعمال حتى عام 1692، إلا أن المشكلة تكمن في عدم توقيعهم على أعمالهم، على عكس ما فعل إبراهيم الناسخ ويوحنا الأرمني، وبعض ممن تبعوهم.

إن الوجود الأرمني في مصر قديم ويعود إلى العصر الفاطمي، وبخاصة فترة الوزير بدر الجمالي (القرن الحادي عشر)، الأرمني الأصل، وأسس بطريرك الأرمن الوجود الرسمي للكنيسة الأرمنية في مصر عام 1088، وفي الوقت نفسه تقريبا تأسس دير للأرمن بمنطقة وادي النطرون بإقليم البحيرة. وفي الرسومات المكتشفة حديثا بدير السريان بوادي النطرون، وجد رسم لأحد أشهر قديس الأرمن، القديس جورج الأرمن.

ويتناول المؤلف السيرة الذاتية ليوحنا الأرمني، قائلا: لم يترك لنا سوى أعماله الفنية، دون ذكر أي تفاصيل عن نفسه أو عن أسرته، أو ظروف إنتاجه لهذه الأعمال. وهنا تبرز القيمة الكبيرة لسجلات المحاكم الشرعية، وما تتضمنه من تفاصيل عن الحياة اليومية للأفراد العاديين الذين لا ينتمون للنخبة أو للطبقة الحاكمة.

وحياة يوحنا الأرمني تجعلنا نعتقد أنه نشأ في مصر، أم على الأقل كان موجودا في مصر قبل عام 1742، وهو التاريخ المفترض لزواجه، المعروف لدينا حتى الآن. إن أول عمل فني ليوحنا الأرمني يعود إلى عام 1742. ولا يعقل أن يتزوج دون أن يكون لديه عمل يدر عليه دخلا، وفي كثير من الإشارات الأولى ليوحنا الأرمني في الوثائق. كما يلقب بالنقاش، ثم استقر لقب (الرسام) لوصف حنا الأرمني"

وتراوحت تسمية حنا الأرمني ما بين "النقاش"، "الرسام"، مما يعني تشابه المهنتين إلى حد كبير، وبما أن أول أيقونة معروفة ليوحنا الأرمني يعود تاريخها إلى عام 1742، وفي هذه السن كان رجلا متزوجا بمصر ولديه أبناء، فهذا يعني أنه لم يبدأ مباشرة بمزاولة رسم الأيقونات، بل بدأ بأعمال النقاشة من زخرفة ورسوم جدارية، وما شابه ذلك، وأن رسمه للأيقونات جاء في مرحلة تالية لبداية عمل المهني، وعثرنا على أعمال ليوحنا الأرمني تفيد أنه كان يقوم بالرسوم الجدارية والزخرفة، نذكر منها مذبح كنيسة ماري جرجس بدير ماري مينا بمصر القديمة، حيث رسم صنية الشرقية يتوسطها صورة السيد المسيح جالسا على العرش، وفوقها صورة القيامة، ثم على الجانبين صور لعشرة قديسين، وفي كل جانب خمسة قديسين ثم أكمل باقي حوائط المذبح بزخارف نباتية.

وعن علاقته بإبراهيم الناسخ، يقول الكاتب: إن القاسم المشترك الذي جمع يوحنا الأرمني وإبراهيم الناسخ هذا العمل الفني، لذلك لا نستبعد أن يكون يوحنا الأرمني قد مارس أيضا الرسوم الجدارية، وأعمال الزخرفة والتزيين للكنائس ومنازل الأغنياء، شأنه إبراهيم الناسخ، خاصة وأن بداية عمله كانت النقاشة.

ويقسم المؤلف عمل يوحنا الأرمني من حيث التنطيم إلى نوعين؛ الأول: العمل في الكنائس والأديرة، والثاني: الحمل لزبائن أفراد.

أما العمل المباشر للكنائس، يمكن تقسيم الكنائس التي قام يوحنا الأرمني بأعمال فنية بها إلى نمطين؛ النوع الأول: كنائس أُعيد بناؤها بالكامل في القرن الثامن عشر، وهي (كنيسة العذراء الدمشيرية)، كنيسة العذراء قصرية الريحان، وهي مجموعة من كنائس مصر القديمة.

والنوع الثاني: كنائس مستمرة أُعيد ترميمها وتحديدها، وهي دير ماري مينا بفم الخليج (مصر القديمة)، كنيسة أبوسيفين، وتعتبر هذه الكنيسة من أهم كنائس القاهرة، حيث إنها أول مقر للبطريرك بعد انتقال الكرسي البطريركي من الإسكندرية إلى القاهرة في القرن العاشر الميلادي.

وأخيرا، العمل الفردي للزبائن: وهذا العمل يتم إما بتكليف أحد الزبائن ليوحنا الأرمني لعمل أيقونة بعينها، ثم إهدائها إلى كنيسة ما، أو أن يختار الزبون إحدى الأيقونات الجاهزة لدى يوحنا الأرمني.

وفي الخاتمة، يذكر الكاتب: أن معظم أعمال يوحنا الأرمني سارت على منهج سابقيه، ونذكر منها: فكرة الأيقونات المتسلسلة التي تدور حول قصة (وغالبا قصة السيد المسيح) أو السيدة العذراء. وتنفيذ شرقية المذبح: والمثال الحسي بكنيسة دير مارمينا بفم الخليج تضع عمل يوحنا الأرمني في المرتبة الثانية زمنيا، فقد سبق تنفيذ هذه الشرقية، ثم قام يوحنا الأرمني بتجديدها مرة ثانية.

Hits: 5

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى