مقالات

ایران و عقوبات ترامب الوحيد

ابو رضا صالح 

احدى الطرائف التي قد ينقلها المؤرخون في المستقبل هي ان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب قد يكون فرض حضرا ذاتيا على بلاده من حيث لا يشعر عبر فرض الحظر الاحادي على الاخرين  .
ان ترامب ليس فقط اقحم وورط بلاده في جبهة ايران بل انه اقحمها في عشرين جبهة حظر اخرى. فمن خلال الاحداث الجارية يبدو ان الساحة الدولية تحولت اليوم الى ساحة للاختبار والاخطاء المتتالية لهذا السمسار ، السمسار الذي خلط بين عناصر التجارة واسس الحكم ، كما انه وعلى صعيد التجارة ايضا لا يعرف سوى صيغة واحدة "صراخ اكثر ، بيع اكثر".
من سمات ترامب توهمه ان بامكانه تسوية الملفات المشفوعة بالتهديد والحضر للدول الاخرى، مثل ملفات فضائحه الجنسية عبر الترهيب والترغيب ، او ان اي شيء على الصعيد الدولي يمكن المساومة عليه كالسلع الاستهلاكية . نتيجة هذه الرؤية هي انه اما لا تعقد اي اتفاقية كما يرغرب بها ترامب او لا يرغب اي احد بالتعامل معه . خير مثال على هذه الرؤية والتوجه ، الاحداث التي نشهدها حاليا في تركيا . فكما يبدو ان توتر العلاقات بين ترامب واردوغان تعود في الظاهر الى اعتقال قس امريكي في تركيا وعدم تسليمه الى امريكا ولكن الحقيقة يمكن ايجازها في جملة واحدة وهي عدم رضوخ تركيا للاملاءات الامريكية .
عدم تسليم القس الامريكي وعدم مواكبة انقرة لواشنطن في حظرها الجائر ضد ايران ادت الى استياء الرئيس الامريكي بشدة ما حدا به الى فرض عقوبات مشددة على تركيا ، تلك العقوبات التي طالت وزيرين تركيين فضلا عن فرض رسوم جديدة على واردات الصلب من تركيا، وقد لا تكون هذه العقوبات نهاية هذه القصة.
المثال الثاني في هذا المجال هي كوريا الشمالية . الكوريون وان رحبوا في الظاهر بدعوة الحوار الامريكية ، ولكنهم كانوا يتوقعون الحصول على شيء ملموس من ترامب في مقابل ابداء حسن نواياهم ، ولكن عمليا ليس فقط لم يجصلوا على شيء وفق ما توقعوه من المفاوضات بل تم فرض عقوبات جديدة عليهم، فضلا عن التهديدات الجديدة التي توجه اليهم .
اضافة الى التجربتين اللتين اشرنا اليهما وعشناها خلال الاشهر والاسابيع الاخيرة ، فان العقوبات المفروضة على اوروبا والصين وروسيا وان كان لها قصة اخرى ، ولكنها مشتركة في نقطة واحدة وهي سلوك ترامب الاحادي الذي يسوق العالم باتجاه " حرب اقتصادية عالمية " ، الحرب التي تقف امريكا في جانب منها وفي الجبهة الثانية يقف العالم باجمعه باستثناء بعض مشيخات منطقة الخليج الفارسي الذين هم في الحقيقة عملاء لترامب .
وفي هذا البين رغم ان ظروف ايران تبدو اكثر حساسية مقارنة بالاخرين ، ولكن خلافا للعقوبات السابقة وقبل التوقيع على الاتفاق النووي ، ليس فقط لا تجد الغرب في مواجهتها بل ان علاقاتها الاقتصادية مع الدول الكبرى ودول الجوار لم تشهد اي تغييرات تذكر، ولذلك نرى ان التهديدات الامريكية شهدت وتيرة متصاعدة بعد فشلها وشعورها بالياس حيال عودة ايران الى طاولة الحوار ، ويتم تشكيل مجموعة "مجموعة عمل بشان ايران" في وزارة الخارجية مهمتها تنسيق المؤامرات الامريكية ضد ايران وتقليص تصدير النفط الايراني الى الصفر عبر التشاور مع الدول الاخرى وتحت شعار " اما معنا او مع ايران ". هذا في حين ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب هو اكثر وحدة من ان ينجح في تطبيق هذه السياسة التامرية. قد تكون التجربة الاخيرة المتمثلة بفرض العقوبات على تركيا خلال الاسابيع الاخيرة وعقد هذا البلد اتفاقا بمليارات الدولارات مع قطر ودعم ماكرون لهذا البلد الى جانب الدعم الشعبي القوي لحكومتهم ، قد تكون جميع هذه الامور التي تحققت رغما عن ترامب كافية لكي يشكك هذا السمسار بصحة رؤيته السياسية ويعيد النظر في سياسة "مشروع الحظر الذاتي " الذي يتابعه .    

Hits: 0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى