ثقافة

عِنْدَما تتوقّفُ الحربُ!

فوزي الشلوي/ ليبيا

كيف سأخبرُكِ يَا أُمِّي ..
أنَّ الحَربَ قدْ وَضَعتْ أوزَارَها ؟ ..
وأنَّ الجُنُودَ – مِنَ الطَرفَين –
عادُوا لبِيُوتهم مهزومِينَ ..
كيفَ سأخبركِ ..
أنَّ الأشجَارِ فِي بَلدِي هَاجَرَتْ ..
وتَرَكتْ العَصَافِيرِ بِلاَ مَأوَىَ
وأنَّ النَّادِلَ الذي كانَ يعرِفُ مَزَاجَ قهوتِي هَربَ ..
وتَركَ الفناجِينَ على الطَاولاَتِ
كَيفَ سَأقولُ لكِ ..
أنَّ دَجَاجَاتكِ الَّتِي أوصيتنِي بِها ..
أكَلتهَا الثَّعالِبُ ..
وأنَّ الجُنُودَ الذِينَ عَادوا مِنّ المَعرَكةِ ..
كَانوا جَائِعِينَ ..
لَمْ يَجِدُوا الشَّوارعَ !! ..
ولا مَحلاَّتِ الخِضَار ..
ولا النَّوافِذِ التي تُطِلُ على البحرِ
أحَدُ الجُنُودِ كَانَ يحمِلُ قِطْعَةً مِنْ حِذائهِ ..
كي يشتَمَّ فيها رَائحَةَ قدَمِهِ المَبتُورةِ !! ..
والأخرُ فَقَدَ أصبعه الذي يحمِلُ خاتمَ الخُطوبة !! ..
أمَّا ذلكَ الذي عادَ بِلاَ يدَين ..
لم يعرف كيفَ يتحسَّس وجهَ حبيبته !! ..
كُلُّ الجنود الذين عادوا من المعركةِ ..
كانوا بلا رؤوسٍ ..
لا أمهاتهم ..
ولا زوجاتهم ..
ولا أطفالهم ..
تَعرَّفوا عليهم ..
عندما توقفتْ طُبولُ الحربِ ..
وأصواتُ الرصاصِ ..
مَا عَادُوا يَلِيقونَ بِالوَسَائِد ..
ولا بالأسِرَّةِ المُرِيحةِ !! ..
وهَجَرهم النَّومُ !!
كيفَ ستخرجُ هذه الحرب المشؤومة مِن رؤوسهم ؟ ..
كيف ستتركهم أصواتُ الأنين ..
وأشلاء الرفاقِ بِحالهم ؟ !!
فحِينَ تتوقف الحربُ يا أمَّاه ..
تبدأُ حروبٌ أخرى ..
أكثَرَ ضَراوةً !! ..
لا شَيءَ يا أُمَّاهُ فِي هذا الوطن ..
لا مَدارِسَ ..
لا نَوادِي ..
لا مساجد .. ولا بِرك سباحة ..
لاَ مَنَصَّاتٍ لإلقاءِ قَصِيدَةٍ ثَائِرَةٍ
ولا أحلامَ فِي عيون الأطفالِ ..
حتى مسبحتك الصغيرة ..
انزَوت في الركنِ صامتة
في هذه المدينة ..
لا شيء يعلو فوق صوتِ البندقية ..
لاَ شيءَ يا أمَّاه ..
لا شيء أَبَدَاً !! ..

Hits: 1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى