مقالات

بين صدرين.. الحائري يعلن انسحابه

د. مصطفى الناجي
قراءة في بيان اعتزال اية الله العظمى السيد كاظم الحائري~

بعد أكثر من أربعة عقود على التصدي المرجعي، أعلن اية الله الحائري توقفه عن التصدي لهذه المسؤولية العظيمة معللا ذلك بالمرض الذي اثر على سماحته وحال بينه وبين أداء الواجبات الملقاة على كاهله بما لا يحقق الكمال والرضى .
ووجه سماحته بإسقاط جميع الوكالات والأذونات التابعة له وعدم استلام اية حقوق شرعية من تاريخ إعلانه في الأول من صفر 1444 الموافق 29 آب 2022 .

السيد الحائري بهذا الاجراء الذي لم تألفه الحوزة العلمية الشريفة من قبل،أرسى عرفا جديدا يشبه عملية “التقاعد” في الوظائف المدنية .
نعم قد يوصي فقيها بالرجوع إلى مرجع آخر، او قد يوجه مقلديه بإتجاه معين،ولكن ان يعلن “تقاعده” فهي خطوة غريبة تحتاج إلى دراستها بدقة وبيان تداعياتها.

اية الله الحائري كان تلميذا للشهيد الصدر الاول واستاذا للشهيد الصدر الثاني ،ونال من كلاهما الثقة المطلقة والمكانة المميزة. فالشهيد محمد باقر الصدر جعله شريكا له في التأليف،ونائبا عنه في القيادة ،واحد خزائن أسراره.وكذا الحال في الشهيد محمد صادق الصدر الذي لم يعرف اعلم من الحائري من بعده فأوصى مقلديه بالرجوع اليه حتما بعد موته .

التيار الصدري بعد استشهاد الرمز عام 1999 انقسموا إلى اتجاهات – رغم وصيته بالرجوع الى السيد الحائري وفي حال التعذر فاية الله الشيخ الفياض اولى بالرجوع اليه في التقليد – الاكثر التزاما بوصية الشهيد رجعوا إلى الحائري في التقليد ،وبعضهم عدِل إلى السيد السيستاني او السيد الخامنائي، والبعض الاخر اتبع الشيخ اليعقوبي ،وبعضهم ادعى الاجتهاد ،والقسم الأكبر بقي على تقليده،وبعضهم ممن لم يدرك تلك المرحلة وعاش تفاصيلها أصبح بلا تقليد وهم الأكثرية ممن ولدوا بعد العام 1999 .
الأمر المثير بالاهتمام أية الله الحائري لم يشكل مرحلة ما بعد الشهيد الثاني عند اتباع السيد مقتدى الصدر كمرجع واجب التقليد ،بل لم ترد في منشوراتهم طيلة السنوات السابقة اي إشارة إلى سماحته او الرجوع اليه حتى في المستحدثات، واكتفوا بما يصدره مكتب السيد الشهيد من بيانات تتعلق بالشؤون الفقهية المستحدثة ممهورة بأسم السيد مقتدى الصدر . والوصف الأعم لتلك المرحلة انهم لم يعبئوا كثيرا بالجانب الفقهي المتعارف عليه لدى المقلدين بشكل عام . وبذلك يكون ترك اية الله الحائري التصدي لن يلقي بضلاله على اتباع السيد مقتدى الصدر الا في حدود ضيقة وغير مؤثرة .
نرجع إلى بيان اية الله الحائري الذي تضمن في صفحته الثانية سبعة نقاط ،مقسمة إلى قسمين -حسب فهمي :-
القسم الاول : الساحة الإيرانية والدعوة لجميع المؤمنين بطاعة اية الله السيد الخامنائي، وهنا ركز الحائري على (الطاعة) وليس (التقليد) كما فهمه البعض ، وربط الحائري بين الطاعة والكفاية والجدارة في قيادة الامة وإدارة الصراع .
القسم الثاني : الساحة العراقية، وفيها عدة مستويات :-
1- الوحدة بين أبناء الشعب تجاه المؤامرات والفتنة، واخلاء العراق من التواجد العسكري الأجنبي ولا سيما الأمريكي على وجه الخصوص .
2- دعوة المسؤولين للالتزام بالجوانب الشرعية والعمل على انصاف أبناء الشعب العراقي.
3- قيام طلبة الحوزة بالتوعية والتبليغ، وتنبيه الامة بما يخطط له اعدائها .
4- دعوة أبناء الشهيدين الصدرين إلى وجوب اتباع القيادة المجتهدة ،وعدم الركون إلى القيادة بالانتساب او القيادة الفاقدة للاجتهاد، وليست في تلك الدعوة إشارة إلى قيادة السيد مقتدى الصدر للتيار فقط ،بل كشرط اساس وملزم بعدم اتباع اي قيادة بدون اشراف من مرجع جامع للشرائط .
5- الوصية بالحشد خيرا ،وان يكون قوة مستقلة وقائمة بالدولة كمؤسسة رسمية .
6- أبعاد البعثيين والعملاء عن المناصب والمسؤوليات .
واخيرا ؛ يمثل بيان اية الله الحائري منعطفا في الاعراف الحوزوية ،وقد يفضي إلى تأسيس سلوك ممدوح اسلاميا ،ولكنه بكل تأكيد سيواجه بمواقف متشنجة من اتباع السيد مقتدى الصدر الذين لن يدخروا جهدا في الوقوف بوجهه،إذ انهم باتوا أمام خسائر فادحة على المستوى السياسي في الازمة الحالية ، والمستوى الشرعي بوجوب أن يكون القائد مجتهدا او مأذونا من مرجع جامع للشرائط .

Hits: 179

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى