تحقيقات

بعد مرور نصف عام من الانتظار.. رواتب موظفي التربية “الجدد” بين مطرقة المالية وسندان المحافظة ومديريات التربية

تحقيق/ د. طلال عدنان الحجامي

سرعة غير اعتيادية تلك التي انتشر بها فيروس كورونا "الفتاك"، توازيها السرعة التي خلفتها آثاره على أغلب عوامل الحياة، وأهمها العامل الاقتصادي، "كورونا" الفيروس الذي نشر رعبه بذكائه الذي جعل الأطباء عاجزين الى الآن عن الوقوف أمام زحفه "المميت" كان انذارا شديد اللهجة بفرض أعباء جديدة علـى الشعوب والحكومات، في العراق لم يختلف الحال، فقد ضرب الفيروس الواقع الاقتصادي دونما رحمة، والموظف البسيط بدأت معاناته بدءاً من التفكير والرعب في مسألة فرض الادخار الإجباري أو تأخير الراتب أو اقتطاعه ..إلخ، تلك التلويحات والتلميحات تنذر برعب جديد يغتال أحلامه البسيطة بالعيش الكريم، والحال هذا أشد وقعا أمام الموظفين أصحاب "التعيينات الجديدة" إن صحت التسمية، فهم لم يعودوا من الجدد بعد مرور نصف سنة تقريبا على تعيينهم وبخاصة المتعينين على ملاك وزارة التربية من مدرسين ومعلمين وإداريين وغيرهم، فكان لـهم النصيب الأوفر من المعاناة بعد طرقهم جميع الأبواب لاستحصال رواتبهم واستحقاقهم، التي أضحى تأخيرها بين رحمة مطرقة وزارة المالية وسندان محافظة بغداد ومديريات التربية الست، الكرة في ملعب من؟ وما هو سبب تأخر صرف الرواتب لموظفي التربية الجدد الذين لم يستلموا دينارا واحدا منذ تعيينهم  حتى يومنا هذا؟!.
"النبأ الصادق" فتحت تحقيقا بهذا الملف المهم جدا، لتعرض الحقائق التي حالت دون صرف رواتب هذه الشريحة المهمة في المجتمع العراقي؛ لتخرج بالآتي:
بتهكم واضح، ولغة ساخرة لا تخلو من الشاعرية أبدت منى فيصل ماجستير في علوم القرآن من ضمن المعينين الجدد على ملاك وزارة التربية رأيها في الموضوع، قائلةً: "يمكنني ان أقول ان الراتب قد اصبح من قصص ألف ليلة وليلة فهو من الحكايا الراقدة ما بين وسائد ريش النعام ونصل سيف شهريار، وتضيف،  "قد تم تعييننا وفق درجات الحذف والاستحداث للسنوات الماضية وقمنا بإكمال معاملاتنا في مديريات التربية والتحقنا بمدارسنا في الاطراف النائية منذ شهر كانون الأۆل وبانتظار بزوغ ذلك الفجر اللؤلؤي المنضد بعقد الدينار العراقي واذا بنا نصطدم بواقع مرير اسهم بانتهاك احلامنا عنوة ما بين المحافظة ووزارة المالية والمديريات الست"، وتتابع متهكمةً، "كل يوم يخرجون إلينا بلحن جديد ننشده حزنا وألما وطمعا وخوفا لئلا نسقط في آفة لعنة البطالة والضياع من جديد".
وختمت منى رأيها الممزوج بحزن عميق بمناشدة الى الأطراف المعنية، قائلة: "نتمنى من كل مسؤول شريف في الحكومة ان يراعي ظروفنا ويمد لنا يد العون وكفاهم مماطلة وتسويفا بالأرزاق وتأخير الرواتب فإن الله عليهم لرقيب". 
فرحة بطعم المعاناة

الدكتورة نغم التميمي موظفة في مركز وزارة التربية من المتعينين الجدد، تقول، "بعد فرحة حملة الشهادات العليا وحاملي شهادة البكالوريوس والإداريين والفنيين بتعيينهم على ملاك وزارة التربية بعد حقب السنين من الدراسة وسهر الليالي والمعاناة الكبيرة تنغصت هذه الفرحة ولم تكتمل، وتضيف والحسرة تكتنف عباراتها، "بعد ما اكملوا اجراءات التعيين من فحص ومباشرة فاجأتهم المالية بشحة الرواتب وان هناك عجزا بالموازنة وهذا سينعكس سلبا على المتعينين الجدد الذين تركوا وظائفهم في القطاع الخاص وانتقلوا الى القطاع العام والان لامعيل لهم ولاينتظرون سوى فرج الله، حيث لا سبب ولا معيل للعيش في ظل هذه الظروف الحالكة".
 التميمي ختمت رأيها بمناشدة الى الحكومة والأطراف المعنية قائلة، "نناشد الحكومة ونناشد الخيرين فيها بإطلاق الرواتب والمستحقات لهذه الفئة المظلومة والتي عانت الظلم، ولاسيما ان اقرانهم في الوزارات الاخرى يستلمون الرواتب ضمن البرنامج المالي المعد لوزاراتهم".
المحافظة ومديريات التربية هما السبب
معن خضير ماجستير في الهندسة يرى أن مسؤولية تأخر إطلاق الرواتب تشاركية بين المديريات والمحافظة قائلا، "مديريات التربية تأخرت في تنفيذ الاوامر الوزارية والديوانية وفشلت في ارسال تفاصيل الراتب الى المحافظة وبدورها الى المالية لتأمين المبالغ  قبل نهاية السنة المالية السابقة التي تنتهي في 31/12/2020، وفشلت أيضا في إكمال مباشرات حوالي أكثر من نصف المعينين الجدد الى أن دخلنا في عام 2020".
الرواتب معجزة!
الناشط المدني مهند عصام المياحي حصل على التعيين بعد معاناة وانتظار ومحاولات، أبدى رأيه في الموضوع ولغة التشاؤم طاغية في حديثه، إذ يقول، "من منطلق الحق أصبحت قضية رواتب المتعينين الجدد الشغل الشاغل ولا يمكن التنبؤ في أي لحظة سوف يتم حسم هذا الملف أو هل ينتظر هؤلاء المتعينون أن تحصل المعجزة في صرف رواتبهم التي مضى عليها أكثر من خمسة أشهر"،  وأضاف ولغة الغضب تتطاير من عباراته "لم يبق احد من أصحاب القرار لم يعلم بهذه القضية! هل هي بسبب الوضع الراهن الذي يمر به البلد أو أن هنالك أمرا قد أخر صرف رواتبهم؟!".
ويتابع، "من الجدير بالذكر أن تخصيصهم المالي من السنوات السابقة من ٢٠١٦  وما بعدها اي من درجات الحذف والاستحداث، والأمر لم يكن مصادفة، وإنما هنالك اتفاق على هذا التأخير والاتفاق قد يكون حصل بين المديريات والمحافظة والمالية!".
وختم رأيه موجها بعض التساؤلات قائلا، "الذي يحصل غير طبيعي أو قانوني، فهناك الكثير من المماطلة والتسويف من خلال كثرة الكتب المبعوثة من قبل المحافظ للمالية من دون جواب وكذلك الكتب التي تبعثها المالية من خلال الإحصائيات والجداول لأعداد المتقاعدين ولا أعلم ماعلاقة المتعينين الجدد بالمتقاعدين! ولا أعلم ماهو ذنب هؤلاء المتعينين في كل هذا التأخير والسؤال الأهم هو أين ذهبت تلك الأموال!".
تلافي الأزمة
مدير تربية أطراف شرق بغداد/ الرصافة الثانية حكمت ناصر المياحي عزا الأمر الى الأزمة الاقتصادية، قائلا، " كلنا متعاطفون مع المتعينين الجدد على ملاك وزارة التربية الذين تأخر صرف رواتبهم بسبب الازمة الاقتصادية جراء تفشي وباء فيروس كورونا"، وأضاف، "أكملنا ونحن نكمل باستمرار كل المتعلقات الخاصة بالرواتب آملين أن تقوم المالية بصرف الرواتب في أقرب وقت وتعمل على تلافي هذه الأزمة".
كتب من دون حلول
محافظ بغداد محمد جابر العطا قام برفع كتب كثيرة للمالية بهذا الشأن ولم يتوصل الى "الزبدة" في صرف الرواتب، إذ صرح نهاية شهر آذار قائلا، " أنَّ "وزارة المالية وعقب كتاب رسمي أرسلته المحافظة إليها، ستطلق سلفة بمبلغ 24 ملياراً و900 مليون دينار إليها من أجل صرف رواتب المتعينين الجدد والموزعين على ملاك مديريات التربية الست في العاصمة".
تسويف ومماطلة
وزارة المالية الطرف الأكثر مسؤولية في الجانب المالي، صرحت أولا على لسان مدير دائرة الموازنة طيف سامي، مطالبةً المحافظة بجرد أسماء الموظفين على ملاك وزارة التربية مع تخصيصاتهم، ومع قيام المحافظة والمديريات بهذا الدور، لم تصرف المالية الرواتب وواصلت عملية المماطلة والتسويف، وعادت مؤخرا نهاية شهر نيسان الماضي لتطالب المحافظة أيضا بجرد أسماء المتقاعدين من الموظفين على ملاك وزارة التربية الذين شملوا بقانون التقاعد الذي أقر مؤخرا وربطت صرف الرواتب بمسألة كون أقيام رواتب المتقاعدين أكثر من رواتب المعينين الجدد.
المحافظة عادت مخاطبة المديريات بكتاب رسمي لغرض إنجاز مهمة حصر أعداد المتقاعدين وأقيام رواتبهم خلال أسبوع ينتهي بعد يومين من الآن.
بين هذا وذاك تبقى مسألة رواتب الموظفين الجدد المعينين على ملاك وزارة التربية معلقة، والأمر الواضح أن الأمر تتحمله جميع الجهات المسؤولة ابتداء بمديريات التربية وتأخيرهم المباشرات وإصدار الأوامر الإدارية والمباشرات للمعينين الجدد، مرورا بالمحافظة الطرف المسؤول عن مديريات التربية والتي بدورها تأخرت بإصدار الأوامر الديوانية وأطلقتها نهاية السنة الماضية، وانتهاء بوزارة المالية التي تماهلت وماطلت وسوفت الأمور وأخرت صرف الرواتب وشاب عملها تخبط كبير في هذا الملف وذلك بإرسال كتب ومخاطبات متأخرة تبين من خلال أهل الشأن أن هذه الكتب لا علاقة لها بهذا الملف والغاية منها هي المماطلة لحين إقرار الموازنة التي يشكك المختصون أيضا بمسألة إقرارها!.
نأمل أن تسارع الجهات الحكومية المسؤولة بوضع حل لهذا الملف والقيام بصرف الرواتب المتأخرة لموظفي التربية الجدد المنتظرين لسماع مثل هذه الأخبار على بساط من قُتاد.

Hits: 4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى