تحقيقات

مراسيم العيد في زمن “كورونا”.. أجواء مختلفة وأفراح منقوصة وعادات غير مألوفة في قواميس الأعياد

تحقيق: د. طلال عدنان الحجامي

"كورونا" الفيروس المرعب الذي هزّ مضاجع عروش لـها وزنها في العالم أجمع، فمن كان يحلم بقانون يغلق ثقب الأوزون يوما ليرتع الكون بالأمان بعيدا عن تفجيرات الطاقة الكونية السالبة ومن كان يحلم بهدوء يعصف بالضوضاء التي استلبت الليل والنهار، ومن كان يحلم بسيادة قانون الحجر واقعا دونما تردد، وأخيرا حل السكون في أرجاء الكرة الارضية جمعاء، "فيروس" عجيب مرعب فتّاك لا يُرى بالعين المجردة لكنه فتّح أعيننا على حقائق كبيرة وعجيبة وذكرنا بأمور عدة إنسانية وعلمية.
مع حلول عيد الفطر المبارك، الذي له طقوس خاصة منذ الأزل ومراسيم اعتاد عليها المسلمون حول العالم عامة والعراقيون خاصة، فهي على مرور القرون العديدة لم تتبدل، فبين الالتزام بالحواجز التي أعلنت ثباتها في زمن "كورونا" وصفارات الإنذار التي أُطلقت، وحالت دون التجمعات، وبين تلك المراسيم الخاصة في العيد التي يعمد إليها العراقيون بعد إتمام الشهر الفضيل، فبين هذا وذاك "النبأ الصادق"، أجرت تحقيقا بشأن تأثير "كورونا" على مراسيم عيد الفطر المبارك، لتخرج بالآتي:
الدكتور محمد الجوراني الأستاذ في الجامعة المستنصرية/ كلية الآداب قسم اللغة العربية يرى أن مراسيم العيد ستختلف على أساس مناطقي، إذ يقول الجوراني، "أهالي بعض المناطق الشعبية لا يؤمنون بالحظر والوقاية، إنما يعتقدون أن المرض كذبة ولن يصيبهم سوء ما داموا يعتقدون باعتقادات دينية معينة يظنون أنها ستقيهم شر الوباء الفتّاك؛ ويتذرعون دائماً بجملة شهيرة "شفت بعينك أحد وگع گبالك"، لذلك ستكون المراسيم عندهم طبيعية، أما المناطق التي تنماز وتصنف بأنها غير شعبية فتجدها قليلة الاختلاط والحيطة عندها ستكون أكبر؛ لذلك ستكون المراسيم عندهم مختلفة مع قلة أو انعدام التزاور وتقديم التهاني، وربما يتم كل ذلك عبر الهاتف".
ومن الناحية النفسية في اختلاف المراسيم عن بقية الأعياد، يؤكد الجوراني أن الأجواء لم تعد تؤثر على نفسية أحد حتى في العيد، فالناس تعايشوا اجتماعياً مع المرض وخاصة خلال الشهر الماضي وللآن بعدما تململوا من إجراءات الوقاية.
عيد فطر مختلف
نجلاء جبار ماجستير في علوم القرآن والتربية الإسلامية، تكلمت والحسرات تتشظى من كلامها، متأسفة على اختلاف مراسيم العيد هذا العام، من حيث غياب التجمع لأداء صلاة العيد، وزيارة الأقارب والجيران، لتقديم التهاني والتبريكات.
تقول جبار المكناة بـ "أم أمين" مع ابتسامة متهكمة تملأ ملامح وجهها، "مراسيم العيد عند "جماعة خليها على الله وين أكو كورونا"، لم تختلف عن غيرها من الأعياد فهذا الصنف تجده متأنقا معطرا منذ الصباح الباكر، ويأخذ بالأحضان كل من يلقاه بطريقه "عشر قبلات على الخد الأيمن، وعشر على الأيسر من باب المساوة، وهذا طبعا يوزع على الناس "فيروس" بدلا من التهاني، فإذا صادفك ابتعد عنه ألف متر!!.
وتضيف، " هناك فئة "الوقاية خير من العلاج"، مستعدون، وتجدهم وضعوا أسلاكا شائكة حول البيت خشية اقتراب أحد منهم، مع احتياطهم بلبس الكمامات والكفوف وتعفير البيت، وتتابع نجلاء ضاحكة، "اللي يكوله عيدك مبارك يرد عليه ببخة معقم بالوجه!".
مراسيم ينقصها الكثير
معن خضير ماجستير في الهندسة المدنية يرى أن مراسيم العيد ستختلف هذا العام، فهي مثل الدراسة والجامعات وبعض المعاملات، فحتى التهاني والتبريكات بقدوم العيد ستصبح ألكترونية عند البعض أو التهاني عن بعد.
يتابع معن ونبرات الحزن تملأ فمه، "من الآن جدتي بدأت بالبكاء؛ لأنها لا تستطيع الذهاب لقبر أخي "رحمه الله"، وهي حالة لم تعتدها في السنين الماضية".
ويضيف، "كيف سيتمكن البعض من التخلص من الإحراج الذي يسببه التقبيل؟!، وبخاصة أن هنالك الكثير الى الآن لا يؤمنون بوجود "كورونا"!، وهنالك الكثير من الناس لديهم حساسية مفرطة وخوف كبير من كورونا!".
ويلفت معن الى أن العيد في زمن "كورونا" سيكون بلا ألعاب الأطفال من الرشاشات والمسدسات!.
ويختتم بالعامية الدارجة ساخرا ومبتسما، "مراسيم العيد ستكون بلا خلافات عن أول يوم يم أهلي لو يم أهلك!، ولا خلافات بسبب أخواتي مجتمعات ببيت أهلي أول يوم وخلي أهلك ثاني يوم نروحلهم!".
أجواء يسودها التباعد
نور سالم ماجستير في التاريخ الحديث تعمل "مدرسة" بدت ملامح الفرحة على وجهها بحلول العيد، إذ ترى أنه مهما كانت الظروف صعبة لا بد من تحقق الفرحة والابتسامة بمناسبة عيد الفطر المبارك في أجواء ومراسيم يسودها التباعد وعدم التجمعات والتواصل بين البشر حيث سيكون هذا العيد مختلفا عن بقيه الأعياد.
تقول نور، "ستكتفي العوائل العراقية بالعيد الصحي والاحتفال من داخل المنزل من خلال إعداد الطعام والحلويات "الكليجة والكيك"، والأغلب سيعدونها في البيوت بدلاً من شرائها من المحال التجارية في طقوس تسودها روح السلام والحب والفرح معاً".
وتضيف وهناك غصة في حديثها، "الأطفال لا طعم للعيد لديهم بسبب إغلاق المنتزهات ومدن الألعاب التي يحتفلون ويمرحون بها مثل كل عام".
وتختتم نور مبتهلة الى الله، "نسأل الله العلي القدير أن يرفع عنا هذا البلاء، ونعود للاحتفال بمراسيم العيد بجميع عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة".
عادات وتقاليد
المهندس في تقنيات المعلومات، والناشط المدني صباح سلام حسين أصبح مستهجنا للمتوقع من عدم الالتزام في مراسيم العيد بالتعليمات الصحية من باب حرصه، وخشيته من انتشار الوباء.
يقول صباح وعدم الرضا سمة طاغية في حديثه، "مراسيم العيد في زمن "كورونا" هي عادات من المستحيل تجاهلها، فهو عنوان الكرم والبذخ بنحر الذبائح وتقديم ما لذّ وطاب وعليك من الآن احتضان كل من عرفتهم وتقبيلهم فما بالك إن كنت في مضايف الشيوخ والتزمت بالإرشادات والوقاية، فلم تقبّل الناس أو تسلم، واكتفيت بعبارات التهنئة من خلف حواجز الكمامات والكفوف متسلحا بمواد التعقيم، ستجد حتما نظرات الاستهزاء والاستصغار، والأغلب يقول لك ألست رجلا؟ ..لم الخوف وكل منا لن يموت إلا في يومه، أتخشى "فيروسا" صغيرا؟!.
عيد خالد في الأذهان
مسك الختام كان مع الصحفي الرائد يوسف فعل الذي أكد أن المراسيم ستختلف كليا هذا العام وستكون خالدة في الأذهان، إذ يقول، "قوّض وباء كورونا فرحة العيد وأسهم بتغيير العادات والتقاليد التي كانت تسود في الأعياد في السنوات السابقة، فالوباء بثّ حالة من الرعب بين المواطنين، وأصبح الأغلب يتحاشى انتشاره بسبب الاختلاط الاجتماعي، والابتعاد عن القيام بالزيارات المعتادة بين الأهل والجيران، وأدى ذلك الى التقليل من فرحة العيد".
ويضيف، "كل ذلك أفسح المجال أمام طرق أبواب العيد الألكتروني، وتلقي التهاني والتبريكات والتزاور عن طريق منصات التواصل الاجتماعي".
وختم فعل قوله وعبارات الحزن تحيط كلامه، "العيد في زمن كورونا سيكون خالدا في الأذهان بشكله المختلف عن الأعياد السابقة وتفاصيله الجديدة".
مراسيم العيد ستختلف حتما بفعل "كورونا"، لكن يبقى للعيد رونق خاص، وإطلالة مختلفة، ولا يمكن لأي ظرف أن يغيب الفرحة التي يرسمها على وجوه العراقيين، شيبا وشبابا وأطفالا، والجميع يسأل الله أن يأتي العيد المقبل علينا إن شاء الله، والجميع ينعم بالصحة والعافية بعد انحسار فيروس "كورونا"، كي تكون فرحة العيد مكتملة غير منقوصة.

Hits: 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى